بلدان
فئات

11.12.2025

°
11:30
مقتل شاب في عرابة
11:18
تلفزيون: أردوغان سيحضر قمة شرم الشيخ للسلام
10:27
إجراءات استثنائية في مطار بن غوريون غدا الاثنين تزامنًا مع زيارة ترامب
09:49
مصدر مقرّب يكشف: بشار الأسد في موسكو يُدمن ألعاب الفيديو وزوجته بحالة حرجة
08:52
النفط عند أدنى مستوى في 5 شهور بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جديدة على الصين
07:42
مصادر لبنانية: شهيد بغارة اسرائيلية على جنوب لبنان - الجيش الاسرائيلي: قضينا على أحد عناصر حزب الله
07:42
الشرطة تستخدم الغاز المسيل للدموع وسط احتجاجات خلال مباراة النرويج وإسرائيل
07:41
حالة الطقس: انخفاض طفيف وفرصة مهيأة لهطول أمطار خفيفة متفرقة
07:31
القيادي في حماس أسامة حمدان: إطلاق سراح الرهائن سيبدأ صباح الاثنين
07:30
السفارة القطرية: مصرع 3 دبلوماسيين في حادث سيارة قرب شرم الشيخ في مصر
23:50
دقيقة حداد على روح اللاعب القدير عنان عبد القادر في مباراة هبوعيل الطيبة وفريق كفر قرع
23:47
مصر تستضيف قمة يحضرها ترامب في شرم الشيخ بشأن اتفاق إنهاء حرب غزة
23:11
اتحاد ابناء باقة يسجل فوزا بيتيا على ابناء الكبابير
22:40
الجيش الاسرائيلي: اعتقال مشتبهيْن حاولا تنفيذ عملية تهريب في منطقة الحدود مع مصر
22:27
عمليات انعاش لشاب اثر تعرضه لاطلاق نار في نوف هجليل
21:17
فيضانات ناجمة عن أمطار غزيرة تجتاح في شرق المكسيك
20:41
إطلاق المبادرة المجتمعية القُطرية ‘إحنا، مش أنا‘ في عكا
20:31
التعليم العالي الفلسطيني وصندوق الأمم المتحدة للسكان يوقعان اتفاقية لتنفيذ مشروع تعزيز الصحة العامة وصحة الأسرة
19:55
بسبب زيارة ترامب: إلغاء رحلات وتغييرات في مواعيد الإقلاع في مطار بن غوريون يوم الاثنين
19:55
الشرطة: احباط عدة محاولات لسرقة مركبات في منطقة القدس واعتقال مشتبهين
أسعار العملات
دينار اردني 4.59
جنيه مصري 0.07
ج. استرليني 4.33
فرنك سويسري 4.04
كيتر سويدي 0.34
يورو 3.77
ليرة تركية 0.11
ريال سعودي 0.98
كيتر نرويجي 0.32
كيتر دنماركي 0.5
دولار كندي 2.32
10 ليرات لبنانية 0
100 ين ياباني 2.13
دولار امريكي 3.25
درهم اماراتي / شيكل 1
ملاحظة: سعر العملة بالشيقل -
اخر تحديث 2025-10-12
اسعار العملات - البنك التجاري الفلسطيني
دولار أمريكي / شيكل 3.31
دينار أردني / شيكل 4.66
دولار أمريكي / دينار أردني 0.71
يورو / شيكل 3.83
دولار أمريكي / يورو 1.1
جنيه إسترليني / دولار أمريكي 1.31
فرنك سويسري / شيكل 4.11
دولار أمريكي / فرنك سويسري 0.81
اخر تحديث 2025-10-08
زوايا الموقع
أبراج
أخبار محلية
بانيت توعية
اقتصاد
سيارات
تكنولوجيا
قناة هلا
فن
كوكتيل
شوبينج
وفيات
مفقودات
كوكتيل
مقالات
حالة الطقس

قصة بعنوان ‘عندما تتعانق الرايتان‘- بقلم: الكاتبة اسماء الياس من البعنة

موقع بانيت وقناة هلا
10-10-2025 14:14:08 اخر تحديث: 11-10-2025 08:07:00

عندما تتعانق الرايتان يكون الامل في عينيك. وفي حبات المطر التي تنهمر على شباك غرفتي.

الكاتبة اسماء الياس - صورة شخصية

الأمل عندما أرى الأيادي تتعانق وتبادر ملوّحةً نحو السلام، عندما نشعر بأننا أصبحنا وحدة حال.

 الأمل عندما تلتحم الأرواح، وتبني لها ولنا برجًا من ضحكات طفل، من خطواته الصغيرة، من ابتسامته السعيدة. الأمل عندما تتحد القلوب وتتوافق المبادئ تحت راية واحدة هي راية السلام.

 عندها سنصل للمعادلة التي تحكي، الواحد للكل والكل للجميع، من أجل أن يصنعوا تغييرًا .

كان لا بد من أن نرفع راية السلام. عندما يتصالح الفريقان. عندما لا يبقى للسلاح مكان، حتى لا يقتل المزيد من الأرواح.

اليوم العاشر من أكتوبر سنة 2025. السنة الأكثر دموية من كل السنوات التي مضت.

تخيلوا رغم كل الألم والموت والجوع والهجرة والدمار والضباب. رغم البؤس والفقر، وعيون تبحث عن رغيف الخبز. يحل السلام على ارض عانت من الحروب، بسبب الأطماع وحب الذات.

توقفت ردينة عن الكتابة. نظرت من النافذة، كانت هناك أصوات، زغاريد تكبيرات، أصوات تعبر عن السعادة بحلول وقف إطلاق النار الذي أدى لحلول السلام.

هدوء ما أجمله من صباح، لأول مرة انهض من نومي لا أسمع صوت القذائف ولا المسيرات ولا التفجيرات.

لأول مرة اشعر بأننا من الشعوب التي تستحق الحياة. 

" الله يرحم روحك شاعرنا الكبير محمود درويش" 

توقفت ردينة عن التحديق بالنافذة. أصوات الزغاريد والتكبيرات كانت كافية لتهز جدران الحذر التي بنتْها حول قلبها طوال الشهور الماضية. لم يعد هناك مكان للجلوس خلف زجاج مغبّر يرتجف خوفاً. كان عليها أن تتأكد بعينيها، أن تتنفس هذا الهواء الخالي من البارود.

دفعت الباب الخشبي الثقيل بصعوبة، وخطت أولى خطواتها إلى الخارج. كان المشي في ممر المنزل المهجور غريباً. صوت حذائها البسيط بدا عالياً وفاضحاً في هذا الصمت الذي لا يشبه صمت الليل.

عندما وصلت إلى الشارع، شعرت بدوار خفيف. المشهد كان خليطاً من الرماد والحياة.

هناك، بين ركام جدار متصدع وبقايا خيمة.

الناس لم يكونوا يصرخون أو يبكون؛ كانوا يزغردون ويضحكون بشكل غريب. كانت الفرحة أكبر من أن تحملها الحناجر، ففاضت على هيئة دموع ساخنة على خدود جافّة .

رأت ردينة أمّاً ترفع طفلها الصغير نحو الشمس، وكأنها تعرفه على النور للمرة الأولى. رأت مُسِنّـًا يبتسم، وتجاعيده وجهه تتحول فجأة إلى خريطة للراحة. 

الجميع كانوا يسيرون نحو نقطة واحدة، نحو الساحة الكبرى، في نهر بشري من الأمل.

مدّت يدها دون وعي لتلامس ذراع فتاة لا تعرفها. لم تقل الفتاة شيئاً، لكنها ضغطت على يد ردينة ثم رفعتها عالياً في الهواء. كانت تلك هي اللحظة. لم يعد هناك "أنا" أو "أنتِ". أصبحت ردينة جزءاً من هذا الجسد الواحد الذي انتصر للتو على الخوف.

في تلك اللحظة، لم تكن الأرض التي تحت قدميها أرضاً للقتال، بل كانت سجادة كبيرة للرقص وللاحتفال بأننا ما زلنا هنا. وأننا سنبني.
وسط هذا النهر البشري الممتد، لم تكن ردينة تسير، بل كانت تطفو على موجة عارمة من الأمل. حينها، وقع بصرها على مصدر الزغاريد.

كانت تقف عند حافة الركام، امرأة مسنة لا تحمل سوى ابتسامة واسعة، تبدو كأنها احتفظت بكل قصص هذه الأرض في تجاعيد وجهها . كان صوت زغاريدها يخترق الفضاء، ليس كصوت احتفال عابر، بل كـ إعلان رسمي لانتهاء الخوف.

اقتربت ردينة منها، وكأن قوة غير مرئية تسحبها نحو الحكمة. 

همست ردينة، بالكاد تسمع صوتها وسط الضجيج: 

يا خالة... ما هذه القوة التي في صوتك؟ 

نظرت إليها الحاجة أم سليمان بعينيْن تلمعان، ومدّت يدها لتضمّ يد ردينة.

قالت أم سليمان بصوت هادئ يحمل رنين المعدن لكنه مغلف بالحرير:

يا بنتي، هل تظنين أنني أزغرد من أجل هذا اليوم فقط؟ لا، أنا أزغرد للذاكرة هذا الصمت هو الصمت الذي انتظرناه لنقول:

 نحن هنا ولم نرحل. نحن هنا لـ نغرس الحبة الأولى، ونرفع أول حجر لبناء ما دمر. أنا أزغرد لأنني رأيت هذا اليوم في أحلامي عشرات المرات. وها أنتِ هنا لتشهديه.

ثم ضغطت على يد ردينة بقوة محبة:

دورنا انتهى في الصمود... ودوركِ أنتِ قد بدأ بالكتابة عن البقاء. اكتبي، يا حبيبتي. اكتبي عن فرحة هذا اليوم حتى لا ينساه أحد.

شعرت ردينة أن يد الحاجة ليست مجرد يد، بل هي امتداد لجذور شجرة زيتون قديمة. في تلك اللحظة، لم تعد قصتها عن وقف إطلاق النار فقط، بل أصبحت ميثاقاً بين جيلين.

ابتسمت ردينة بحب للحاجة أم سليمان، لم تعد بحاجة للكلمات لتفهم الرسالة. لقد فهمت أن الكتابة تبدأ الآن ليس بالحبر، بل بالحجر.

انحنت ردينة بجانب أم سليمان، في المكان الذي كانت فيه قبل لحظات كومة من التراب والحجارة المتناثرة. كانت تبحث عن حجر صغير، خفيف بما يكفي ليحمل رمزية البداية، وثقيل بما يكفي ليذكرها بالجهد.

وجدت حجرًا متوسط الحجم، لونه رمادي قاتم، لكن ضوء الشمس الساطعة لأول مرة منذ أشهر جعله يلمع بوميض خافت. مدّت يديها إليه، تشعر ببرودته الموحشة، وبثقل الألم الذي يحمله.

هذا هو أول حجر، يا خالة. قالت ردينة، ورفعت الحجر ببطء وحذر.

أومأت أم سليمان برأسها، وكانت عيناها تراقبان ردينة بفخر هادئ. ابدئي به يا بنتي، ضعيه هناك حيث كان جدار الأمان لأولئك الذين رحلوا. اجعليه شاهدًا على أننا نبني من جديد. كل حجر ترفعينه اليوم هو كلمة في قصتك الجديدة.

وضعت ردينة الحجر على حافة ما بدا أنه الأساس القديم لجدار مهدم. لم يكن مجرد حجر؛ لقد كان الفاصل الزمني بين الأمس المليء بالخوف واليوم المليء بالعمل. في تلك اللحظة، شعرت بأنها تضع النقطة في نهاية جملة طويلة من الألم، وتبدأ جملة جديدة تفتتحها بفعل.

رفعت ردينة عينيها، ورأت أن الكثيرين من حولها قد بدأوا يفعلون الشيء نفسه. الأيادي التي كانت مرفوعة للتهليل بدأت الآن تحفر وتنظف وتحمل. لم يعد هناك نهر بشري يتدفق، بل تحول إلى خلية نحل صامتة لكنها مصممة.

كانت ردينة لا تزال تحمل الإحساس بالبرد من ملمس الحجر، وهي تنفض الغبار العالق بملابسها بيدها الأخرى. هذا الغبار لم يعد غبار دمار، بل غبار بناء البداية.

رفعت عينيها لتنظر إلى البعيد، حيث كانت الجموع لا تزال تتوافد. شيء ما لفت نظرها في نهاية الشارع؛ حركة مختلفة، وقامة اعتادت عليها الروح قبل العين.

تجمدت حركتها.

شاب يتقدم بخطى بطيئة، مترددة، وكأنه يخشى أن يتلاشى المشهد أمامه. كانت ملامحه نحيلة، لكن العزم يضيء في عينيه، وعيناه لا تبحثان عن شيء سوى نقطة واحدة في هذا الفضاء الفسيح. نقطتها هي.

إياس.. همست ردينة، والاسم خرج من فمها كـ تنهيدة طويلة حملتها سنتين من الغياب والانتظار.

منذ عامين، فرقتهم طرق النزوح والتشرد. في يوم كان مثل اليوم، لكنه غارق في الدم، ودعته على عجل، حاملاً حقيبة خفيفة ووعودًا أثقل من الجبال. واليوم، عاد ليجدها.

ركضت ردينة. لم تعد فتاة تحمل هموم العالم. تحولت إلى طفلة تركض نحو الأمان المطلق. لم تعد تسمع الزغاريد ولا صمت البناء؛ لم يكن هناك صوت سوى نبض قلبها المهاجر الذي وجد موطنه.

عندما التقيا، لم يكن هناك حوار. كانت هناك فقط لحظة التقاء حاسمة. احتضنت ردينة إياس، وكأنها تضم سنتين من البرد في دفء اللقاء. شعرت برائحته، التي كانت خليطًا غريبًا من الغبار والعرق ورائحة الأمل العتيقة.

شد عليها إياس بقوة، هامسًا فوق رأسها: لقد عدت. كي تكتمل السعادة.

في تلك اللحظة، نظرت ردينة إلى الحجر الذي وضعته للتو، ثم إلى إياس. أدركت أن إياس هو حجر الأساس الذي كانت تبحث عنه، ليس للبناء المادي فحسب، بل للبناء الروحي الذي لا يمكن أن يكتمل إلا به.

جلس إياس وردينة على عتبة مدخل مبنى نصف مدمر، لكنه كان بالنسبة لهما عرشاً للأمان. كانت الزغاريد قد خفتت قليلاً، لتترك خلفها همسات البناء، مما سمح لحديثهما بأن يُسمع.

شدّت ردينة على يد إياس، وكأنها تتأكد من أنه ليس حلماً. أين كنت يا إياس؟ كنت أكتب عن الأمل، ولكني كنت أكتبه وأنا أتخيل وجهك المفقود. كل قنبلة كانت تسقط كنت أقول: يا رب... احمه لي.

تنفس إياس بعمق، وأرخى رأسه على كتفها للحظة. كنت في الجحيم يا ردينة. في كل مدينة نزحت إليها، كان هناك جحيم بلون مختلف. رأيت الموت يتنقل معنا في كل حافلة نزوح، ورأيت الجوع يطارد الأطفال في الملاجئ. في بعض الليالي، كنت أنام وأنا أحضن قطعة خبز يابسة، وأقسم بالله أنني كنت أُغمض عينيّ لأتذكر رائحة قهوتك، لأتذكر أن هناك شيئاً جميلاً يستحق العودة إليه.

توقفت دموع ردينة التي كانت محبوسة منذ زمن، وبدأت تسيل بهدوء، دموع فرح واعتراف بالألم. أما أنا، فكنت أسيرة هذا المنزل. أربع جدران هي عالمي. كنت أرى الدمار في كل زاوية من الشارع، ولكني كنت أقرأ رسائلك القديمة وأقول: طالما أنه لم يرسل رسالة وداع، فهو حي. الأمل كان واجبي، والانتظار هو صلاتي.

ابتسم إياس ابتسامة متعبة، لكنها صادقة. في كل مرة كنت أرى فيها علمنا معلقًا على حطام، كنت أتشبث بفكرة أننا سنبني من جديد. ولكنني لم أكن أعرف كيف سأفعلها وحدي. والآن، عندما رأيتكِ واقفة بين الناس، ويدكِ تمسكين حجرًا لتزيليه، أدركت. أنتِ لستِ كاتبة الأمل فقط، أنتِ بانية الحجارة الأولى.

وأنتَ يا إياس، أنتَ أول سطر في قصتي الجديدة. قالت ردينة وهي ترفع يدها لتمسح الغبار عن شعره. سنبنيها معًا، بالحجر والحب، وبالصمت الذي اكتشفنا فيه قيمة الحياة.

نظرت ردينة إلى إياس، وشعرت أن كل الألم الذي مرّ بهما أصبح الآن مجرد ظل باهت خلف النور الذي يغمر عيونهم.

ابتسم إياس، وبصوته الهادئ الذي يحمل تصميم المقاتل وعذوبة العاشق، قال:

ردينة. الحب يا روحي ليس مجرد شعور، هو قرار وميثاق. نحن لم ننتظر سنتين لكي نرى نهاية الحرب، نحن انتظرناها لنبدأ حياتنا. ألا ترين؟ هذه الأرض تحتاج إلى الأيدي التي تبني، وتحتاج إلى الأرواح التي توحّد. تزوجيني هنا والآن، ليكون بيتنا هو أول ما نبنيه على أنقاض هذا الحطام. ليكن عهدنا هو اللبنة الأولى في غزة الجديدة.

ضحكت ردينة، وكانت ضحكتها هي أول صوت حقيقي ومفعم بالحياة يصدر منها منذ شهور. نعم يا إياس نعم ألف مرة. فلنبدأ الترميم... ليس فقط لأساس المنزل، بل لأساس روحنا معاً.

نهضا معًا، وكان وقوفهما كـ نصب تذكاري للحياة. لم ينتظرا يوماً آخر. قررا أن خطوتهما الأولى بعد هذا اللقاء، هي الذهاب إلى حيث كان منزلهما القديم الذي ابتلعه الركام.

وصلا إلى البقعة التي كانت تضم جدران أحلامهما. لم يكن هناك شيء سوى كومة من الحجارة المتشابكة والأسمنت المتفتت. لكن إياس لم يرَ الدمار، بل رأى الخريطة.

سأبدأ غدًا يا ردينة. سنرفع هذا الركام ونبني جداراً جديداً، لن نضع فيه الأسمنت وحده، بل سنضع فيه كل رسالة كتبتها لي وكل زغرودة سمعتها اليوم. سأبنيه أقوى وأجمل، لنعيش فيه ونُربّي طفلنا الذي سيضحك في هذا الشارع دون أن يعرف معنى صوت القذائف.

تشابكت أياديهما مرة أخرى، وخطوا خطواتهما الأولى معاً نحو الجموع المحتفلة. هذه المرة، لم يذهبوا للعمل أو للاحتفال بشيء غامض. ذهبا لـ إعلان انتصارهما الشخصي أمام الناس.

عندما رآهما الناس، الشاب الذي عاد ليجد حبيبته ويبدأ معها البناء، علت الهتافات والتكبيرات. كان لقاؤهما هو القصة التي يحتاجها الجميع.

في تلك اللحظة، أدركت ردينة أن قصتها لم تنتهِ بوقف إطلاق النار؛ بل بدأت للتو. الرايتان تعانقتا: راية الوطن التي أعلنها السلام، وراية الحب التي رفعها إياس، ليصبحا معاً رمزاً لبناء لا يتوقف، وشاهداً على أن الحياة، رغم كل شيء، هي المنتصر الأخير.

عادت ردينة إلى غرفتها في المساء، لكنها لم تعد هي نفسها التي تركتها صباحًا. على الشباك، لم يعد المطر حبات أمل مجردة، بل كان يغسل غبار يوم طويل من العمل مع إياس وأم سليمان.

جلست أمام ورقتها، التي كانت تحمل جملة: "عندما تتعانق الرايتان". هذه المرة، لم يكن هناك تردد أو ألم. الهدوء الذي ساد الخارج استقر أخيراً في روحها.

التقطت ردينة قلمها وبدأت تكتب، لكن هذه الكتابة كانت مختلفة؛ كانت خفيفة، مفعمة باليقين. لم تكن تكتب عن الخوف، بل عن قوة الأيادي التي تعمل معاً. كتبت عن الحجر الأول الذي وضعته، وعن أول قبلة طبعتها على جبين إياس على ركام منزلهما، وعن الوعد المقدس الذي أخذته على نفسها: أن قصتها لن تنتهي بالدمار، بل ستبدأ بالبناء.

في تلك الليلة، لم تكن ردينة تنام على أصوات القذائف، بل على صوت داخلي هادئ يردد:

اليوم العاشر من أكتوبر سنة 2025. السنة التي لم تعد فيها غزة تتحدث عن الموت، بل بدأت تكتب ميثاقاً جديداً للحياة. ميثاقاً أساسه الحب، وركيزته الصمود، وشاهده حبر قلمي وحجر بيتنا.

panet@panet.co.ilاستعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ

إعلانات

إعلانات

اقرأ هذه الاخبار قد تهمك