مقال: ‘ما يجري في الضفة يعبّر عن رؤية إسرائيلية أوسع ‘ - بقلم : د. سهيل دياب - الناصرة
إسرائيل لم تعد بحاجة إلى ذرائع أو مبررات لتفسير ممارساتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل انتقلت منذ عام 2021 إلى مرحلة جديدة يمكن وصفها بـ"إسرائيل الثالثة" الجديدة، تختلف عن مرحلتي المؤسسين ثم فترة مناحيم بيغن حتى العام 2021.
د. سهيل دياب
فإسرائيل في مرحلتيها السابقتين كانت تعتمد على تخزين الاستراتيجيات في الأدراج وانتظار اللحظة أو الحدث المناسب لتنفيذها، أما اليوم فقد غيّرت نهجها بالكامل لتعلن بصراحة وعلنية ما تريد بصلافة، وتزرع هذه الأهداف في الوعي الداخلي والدولي والإقليمي، بحيث يصبح من السهل عليها لاحقًا إلباس أي حدث لهذه الاستراتيجية المعلنة مسبقًا.
ولعل مثالين اساسيين يؤشران على ذلك: الأول، قرار الكنيست الأخير الذي ينص على منع قيام دولة فلسطينية بأي ثمن، وهو قرار يتم استدعاؤه الآن في مواجهة المبادرات الأوروبية والسعودية الفرنسية بالاعتراف بدولة فلسطين. إسرائيل توظف هذه المبادرات كذريعة لتوسيع الاستيطان أو حتى لضم أجزاء من الضفة الغربية أو قطاع غزة، لتبرير خطوات كانت قد أعلنت نواياها بشأنها مسبقًا.
أما المثال الثاني ، فيرتبط بحدث معبر الكرامة (اللنبي) الأخير الذي قتل فيه إسرائيليان، حيث رأت إسرائيل فيها مناسبة لإعادة طرح مقترح ضم غور الأردن بشكل نهائي، وهو مقترح طُرح مرارًا في الكنيست في السنوات الماضية.
واضح أن هذا النهج الجديد لا يقوم على الحاجة لذرائع كما في السابق، وإنما على خلق الأحداث التي تخدم الاستراتيجية المُعلنة سلفًا، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو في الملف الفلسطيني عامة. والهدف الأساس من هذه المواقف هو الإجابة على التساؤلات التي تطرحها الأطراف الأوروبية والأمريكية الحليفة لإسرائيل حول مبرر التوحش الإسرائيلي في الضفة الغربية في وقت تزعم فيه الحكومة أن معركتها الأساسية ضد حركة حماس في غزة.
إن ما يجري في الضفة الغربية يعبّر عن رؤية إسرائيلية أوسع تهدف إلى شيطنة كل فلسطيني أينما كان، من غزة إلى الضفة والداخل والشتات، بحيث يصبح كل فلسطيني في نظر إسرائيل مشروع "مخرّب". هذه السياسة الخطابية والإعلامية تمثل أداة لنتنياهو وحكومته اليمينية الفاشية لتبرير تصعيدهم غير المسبوق.
علينا التمعن بقرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بوقف الحرب على قطاع غزة، والذي عرقلته الولايات المتحدة باستخدام (الفيتو) للمرة السادسة. ما جرى يعكس صورة عالم منقسم بوضوح: الولايات المتحدة وإسرائيل في جانب، وبقية دول العالم في الجانب الآخر. هذا الاصطفاف لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، ما يدل على أن الحرب الدائرة ليست حربًا إسرائيلية خالصة، بل هي حرب أمريكية بامتياز تنفذ إسرائيل فيها دور الأداة الرئيسية.
أن الارتباط بين الملفات الفلسطينية والسورية واللبنانية والإيرانية، إضافة إلى التطورات بعد العدوان على قطر، كلها مؤشرات على أن الصراع أوسع بكثير مما يُعرض في الإعلام، وأنه يعكس تراجع الهيمنة الأمريكية عالميًا وصعود نظام دولي متعدد الأقطاب.
ويؤكد أن الولايات المتحدة وإسرائيل "تسابقان الزمن" في محاولة لتأجيل لحظة السقوط من موقع الهيمنة، غير أن هذا الحسم آتٍ لا محالة، والمسألة مسألة وقت.
أن الأزمات الداخلية في إسرائيل والولايات المتحدة، إلى جانب تراجع سمعة واشنطن عالميًا، تسهم في مفاقمة مأزق التحالف الأمريكي الإسرائيلي الذي يفضل الخطاب الشعبوي الترامبي على المصالح الإستراتيجية الحقيقية، في الوقت الذي تتكشف فيه عجز المنظمات الدولية عن لعب أي دور فاعل في حل النزاعات. فإن فهم هذه "الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة" يساعد على قراءة ما يجري من أحداث في الضفة وغزة وساحات إقليمية أخرى، ويكشف أن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا في موقع المبادرة بقدر ما هما في سباق مع الزمن لتأجيل هزيمة تلوح في الأفق.
من هنا وهناك
-
نتنياهو واستراتيجية ‘بناء الفشل‘ - بقلم: المحامي علي حيدر
-
‘توني بلير ... وقصتنا مع هذا الرجل‘ - بقلم : تيسير خالد
-
مقال: العلاقة بين بيان القمّة العربيّة الإسلاميّة وقرارات القيادة الإسرائيليّة - بقلم : المحامي زكي كمال
-
‘ جدل حول الاعتراف بدولة فلسطين ‘ - بقلم : أسامة خليفة
-
فيصل درّاج وذاكرة لا تمحى.. قراءة في كتاب ‘كأن تكون فلسطينيّا‘ - بقلم: صباح بشير
-
‘أبناؤنا الموهوبين بين التحدي والدعم: كيف نرافقهم نحو النجاح والسعادة ؟‘ - بقلم : رائد برهوم
-
‘ الموناليزا في باب المعظم ‘ -
-
‘ الفنون .. جسر الإنسانية الحي ‘ - بقلم: الفنان سليم السعدي
-
‘ الاعتراف الدولي بفلسطين والرد الاسرائيلي ‘ - بقلم : د . حسين الديك
-
‘غياب القائمة المشتركة بين الأحزاب العربية: قراءة في الواقع المجتمعي‘ - بقلم: منير قبطي
أرسل خبرا