استباق الموجة: هكذا يحاولون منع الخطر القادم في بحيرة طبريا
تزداد وتيرة الظواهر المتطرفة في بحيرة طبريا بسبب أزمة المناخ، ما يسبب أضرارًا كبيرة. فهل يمكن لمنظومة تنبؤ جديدة أن تسهم في تغيير نتائج مثل هذه الأحداث وتساعد في إنقاذ الأرواح؟
تصوير: أوشري بن دور - اتحاد مدن طبريا
في يوم هادئ من أيار/مايو 2022، ودون أي سابق إنذار، ضربت رياحٌ شرقيةٌ عاتيةُ ممشى طبريا، بالتزامن مع ارتفاع مستوى مياه أعلى من المعتاد لموسمها، مما أدّى لارتفاع الأمواج إلى مستويات استثنائية وغمرت المكان. كانت النتيجة أضرارًا قُدّرت بعشرات ملايين الشواقل. ولتفادي تكرار ذلك، يعمل العلماء في مختبر بحوث بحيرة طبريا منذ ذلك الحين على حل يمكنه التنبؤ بالحدث القادم، مما يتيح الاستعداد المسبق له. كيف تعمل منظومة التنبؤ الجديدة للبحيرة؟ وكيف يمكن تغيير الطريقة التي نستجيب بها لظواهر الطقس المتطرفة والأزمات المناخية، بل وتُنقِذُ مستجمّين جرفتهم المياه إلى قلب البحيرة؟
تُعدّ بحيرة طبريا أكبر مصدرٍ للمياه العذبة في إسرائيل، ولا تزال مصدرًا مهمًا لمياه الشرب، ومقصدًا لأكثر من ثلاثة ملايين متنزّهٍ سنويًّا، وجوهرة طبيعية هي جزءٌ من ثقافتنا جميعًا. إلاّ أنّ السنوات الأخيرة جلبت معها «رياحًا جديدة» بالمعنى الحرفي والمجازي. فالتغيّر المناخي يفرض على بحيرة طبريا تحديات متزايدة: رياح غير اعتيادية، أمواج عالية، سنوات جفاف، ازدهار للطحالب، ومخاطر أخرى على الصحة العامة. وكل ذلك يستلزم استعدادًا مسبقًا؛ ومن أجل هذا الغرض تحديدًا طُوِّرت منظومة تنبؤ تشغيلية مبتكرة في مختبر بحوث البحيرة، وقد عُرضت في المؤتمر السنوي الـ 53 للعلوم والبيئة.
نظام تنبؤ قد ينقذ أرواحًا
منظومة التنبؤ التشغيلية – المخصّصة للاستخدام اليومي والتفعيل في أحداث فعلية – تم تطويره في مختبر بحوث بحيرة طبريا لتوفير إنذارات مبكرة حول ظواهر تهدد الحياة في البحيرة. وهي قائمة على دمج نموذجٍ ثلاثي الأبعاد للبحيرة، ونموذجٍ لتنبؤ اتجاه الأمواج وارتفاعها، وتوقّعاتٍ الأرصاد الجويّة، بهدف تقديم تنبؤات قصيرة المدى لمدة 3–5 أيام حول نظام الأمواج والتيارات. يشرح د. جدعون غال، مدير معهد أبحاث بحيرة طبريا التابع لمعهد أبحاث البحيرات والبحار، أن النظام قادر على التنبؤ بتوقع أمواج عالية في بحيرة طبريا — بما في ذلك في أي الشواطئ ومتى، وأيضًا عن تيارات استثنائية في شدتها. وقد عمل على نظام التنبؤ مع د. ياعيل أميتاي ود. أوفير طال.
يضرب غال مثالاً على وضع خطير يتكرر كل صيف تقريبًا: "شخص ما يصعد على لوحًا مطاطيًا في الشاطئ الغربي لبحيرة طبريا، لنقل في يوم حار في منتصف تموز/يوليو الساعة الثانية عشرة، قرب شاطئ حوكوك. لا توجد رياح، كل شيء على ما يرام، هو يستلقي ويتشمس. بعد ساعة تدخل نسمة البحر اليومية من اتجاه الغرب، وفجأة يجد الشاب نفسه على بعد 3 كيلومترات من الشاطئ. لا يستطيع العودة. أصدقاؤه لا يعرفون أين هو. كيف نعثر عليه؟" في مثل هذه الحالات، يشرح غال، النظام سيعرف أيضًا كيف يساعد خدمات الطوارئ في تحديد موقع أشخاص أو أجساممنظومو اختفت بسبب الرياح أو الأمواج، حتى لو لا سمح الله سقط شخص من قارب وغرق. هذا سيساعد فرق الإنقاذ على تقليص نطاق البحث.
النظام يفعل ذلك عن طريق حساب اتجاه التيارات والرياح أثناء الحدث ما يتيح تقدير الجهة التي انجرف إليها الشخص.
الازدهارات السامة
غير أن القصة لا تنتهي عند الأمواج. يضيف غال أن هناك عنصرًا إضافيًا ذو طابع بيئي وبيولوجي في بحيرة طبريا: تطور أنواع من الطحالب والبكتيريا، بعضها قادر على إنتاج سموم. وبتركيزات عالية، تكون هذه السموم خطيرة على الحيوانات والبشر. في بحيرة طبريا لم نصل بعد إلى مثل هذه الحالة، لكن ذلك قد يحدث. منذ منتصف التسعينيات، بدأت تظهر تراكيزُ ملحوظة من البكتيريا الزرقاء "السيانوبكتيريا" في بحيرة طبريا. وهي بكتيريا قادرة على القيام بالتمثيل الضوئي. لذلك، فإن التعامل معها في كل ما يتعلق بإدارة البحيرات وموارد المياه يكون مشابهًا للطحالب، حتى أنها تسمى "الطحالب الزرقاء". التغير المناخي يتسبب بارتفاع درجة الحرارة — لكل من الهواء ومياه البحيرة — ويخلق ظروفًا ملائمة لازدهار البكتيريا الزرقاء. أحد أكبر التحديات في مواجهة ازدهارات البكتيريا الزرقاء هو عدم اليقين: لدينا ظهور شتوي-ربيعي لأنواع معينة من البكتيريا الزرقاء، وظهور صيفي لأنواع أخرى، في كلا الحالتين هناك أنواع قادرة على إنتاج سموم تختلف عن بعضها. نحن نبحث عن التفسير — لماذا تحدث لدينا هذه الازدهارات؟ لماذا أحيانًا نعم وأحيانًا لا؟ ولماذا أحيانًا لا توجد سموم وأحيانًا تكون بتركيزات عالية نسبيًا؟ يقول غال.
على الرغم من أنه لم تُسجل في البلاد حتى الآن إصابات خطيرة بسبب سموم مصدرها طحالب وبكتيريا، إلا أن غال يؤكد على خطر التعرض غير الواعي. يدخل الناس إلى المياه ولا يعرفون أنهم يسبحون في مياه ذات تركيز عالٍ من السم، الذي يدخل إلى الجهاز التنفسي، وإلى الفم، وإلى العيون — وهنا تكمن مشكلة. فإلى جانب خطر السباحة في مياه ملوثة بالسموم، ثمة خشية من تسرب السموم إلى أنظمة المياه المنزلية والزراعية، إذ ما تزال بحيرة طبريا مصدرًا لمياه الشرب لسكان الشمال ومصدرًا لريّ للزراعة. تُضّخ هذه المياه إلى أنظمة السحب المخصصة لشفط مياه الشرب أو الري من بحيرة طبريا. هناك إمكانية لحدوث مشكلة من ناحية الصحة العامة، يشرح.
لذلك، يؤكد غال على المساهمة المحتملة لنظام التنبؤ في هذا المجال أيضًا. فالنظام ما يزال قيد التطوير، لكنه يقدم توقعات أولية لأغراض التجارب والاستعدادات. وعندما يكتمل بناء منظومتنا ستقدّم استجابة على جميع المستويات المتعلّقة بالصحة العامة، من مستوى جودة المياه للشرب أو للريّ، إلى السباحة والتعامل مع الأمواج والتيارات.
عندما ينقذ العلم أرواحًا
على الرغم من الخطر، لا يوجد حتى الآن في إسرائيل إجراء واضح للتعامل مع الازدهارات السامة في بحيرة طبريا. في ألمانيا وكذلك في الولايات المتحدة، هناك بروتوكولات واضحة جدًا لإغلاق الشاطئ للسباحة أمام المستجمّين، يقول غال. في أماكن مختلفة من العالم، تعلن السلطة المحلية أو الوزارة المسؤولة عن إدارة الشواطئ أو وزارة الصحة أن الشواطئ مغلقة حتى إشعار آخر بسبب تركيز عالٍ من البكتيريا الزرقاء أو من السموم. لا يُستخدم الماء لا للشرب، ولا للسباحة، ولا للاستحمام، ولا لأي شيء. عندنا هذا البروتوكول غير موجود، وأرى أنّ هناك مجالًا لاعتماده. حاولنا قليلاً تعزيز هذا الموضوع في السنوات الأخيرة. لكنّه لم يتحقق، للأسف.
يضيف غال أن المنظومة ستكون قادرة على توفير المعلومات والأدوات التحليلية، وإجراء فحوصات سريعة لمعرفة ما إذا كانت هناك تراكيز عالية أو منخفضة من السموم. لكن في نهاية المطاف، على السلطات أن تتبنى هذه الأدوات وتخلق البروتوكولات وعمليات اتخاذ القرار.
يختم غال بالقول إن الجمهور يسمع دائمًا "علم، علم، علم"، وكثيرًا ما لا يلامسنا هذا العلم حقًا أو لا يرتبط بنا حقًا. أمّا في هذه الحالة فهناك مسارٌ علميٌّ طويلٌ جدًّا، وكمٌّ هائل من العمل، يشمل علم البيئة والأحياء وفيزياء المسطّحات المائية يُستخلَص هذا العلم في منظومةٍ واحدةٍ، ستنقذ ذلك الشاب الذي ركب اللوح المطّاطي في ظهيرة منتصف الصيف لأنه لم يعلم أن هناك رياحًا غربية تدخل إلى البحيرة كل صيف في الساعة الواحدة أو الثانية بعد الظهر. إنه ترجمة للعلم الأساسي، مرورًا بالعلوم التطبيقية، إلى منظومة منقذة للحياة، تعطي إنذارات ويمكنها أن تساعد في عملية اتخاذ القرار. برأيي هذا مثير للاهتمام بشكل فائق ويعكس كيف يلتقي بنا العلم في النهاية نحن الجمهور، متخذو القرار وخدمات الإنقاذ. وعندما ينجح نظام تنبؤ واحد في الربط بين سنوات من البحث في المختبر ولحظة حرجة واحدة في قلب بحيرة طبريا، عندئذٍ يمكننا نبدأ بالإيمان بأنّ العلم حقيقةً يُنقذُ الأرواح.
أُعدّت هذه المقالة بواسطة "زافيت" – وكالة الأنباء التابعة للجمعية الإسرائيلية للإيكولوجيا وعلوم البيئة
من هنا وهناك
-
نتنياهو واستراتيجية ‘بناء الفشل‘ - بقلم: المحامي علي حيدر
-
‘توني بلير ... وقصتنا مع هذا الرجل‘ - بقلم : تيسير خالد
-
مقال: العلاقة بين بيان القمّة العربيّة الإسلاميّة وقرارات القيادة الإسرائيليّة - بقلم : المحامي زكي كمال
-
‘ جدل حول الاعتراف بدولة فلسطين ‘ - بقلم : أسامة خليفة
-
فيصل درّاج وذاكرة لا تمحى.. قراءة في كتاب ‘كأن تكون فلسطينيّا‘ - بقلم: صباح بشير
-
‘أبناؤنا الموهوبين بين التحدي والدعم: كيف نرافقهم نحو النجاح والسعادة ؟‘ - بقلم : رائد برهوم
-
‘ الموناليزا في باب المعظم ‘ -
-
‘ الفنون .. جسر الإنسانية الحي ‘ - بقلم: الفنان سليم السعدي
-
‘ الاعتراف الدولي بفلسطين والرد الاسرائيلي ‘ - بقلم : د . حسين الديك
-
‘غياب القائمة المشتركة بين الأحزاب العربية: قراءة في الواقع المجتمعي‘ - بقلم: منير قبطي
أرسل خبرا