logo

قراءة في واقع التعليم العربي قبيل انطلاق العام الدراسي الجديد: ‘المنظومة تترنّح بين فجوات القياس وتأثيرات الحرب والجريمة‘

موقع بانيت وصحيفة بانوراما
22-08-2025 20:26:22 اخر تحديث: 24-08-2025 09:58:35

مع اقتراب العام الدراسي الجديد، يطفو على السطح واقع مقلق يعيشه جهاز التعليم العربي في البلاد، حيث تتشابك التحديات التربوية والاجتماعية مع أزمات بنيوية عميقة. ويقول د. شرف حسان رئيس لجنة

متابعة قضايا التعليم العربي ورئيس قسم علوم الاجتماع في كلية أورانيم، ان المشكلة لا تقتصر على الفجوات المزمنة في التحصيل الدراسي بين الطلاب العرب واليهود، أو على التفاوت الواضح في نتائج امتحانات القياس، بل تمتد إلى قضايا أكثر خطورة تتعلق بتأثير العنف والجريمة المنظمة على البيئة التعليمية، وانزلاق بعض الطلاب إلى مسارات خطرة في ظل غياب الأطر الحاضنة والداعمة.  

وتُضاف إلى هذه التحديات - بحسب د. حسان - آثار الحرب المستمرة، خاصة ما خلّفته من صدمات نفسية لدى الطلاب والمعلمين، إذ باتت مشاهد العنف والدمار جزءًا من الوعي اليومي، ما ينعكس سلبًا على التركيز والتحصيل الدراسي، ويضع الطواقم التربوية أمام مهام مضاعفة في توفير بيئة تعليمية آمنة ومستقرة. 

يقول د. شرف حسان في حديثه لموقع بانيت وقناة هلا: "الصورة الكاملة التي نعيشها منذ سنتين تتمثل في الحرب على غزة ومشاهد القتل، وهي مشاهد يراها طلابنا بشكل دائم على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي حاضرة في مجالسنا ووسائل الإعلام، وقد أثّرت هذه المشاهد على الأطفال والطلاب. وهناك أزمة كبيرة نعاني منها من جهة وزارة التربية والتعليم، والملاحقات السياسية التي يتعرض لها المعلمون، بالإضافة إلى عملية الاستهداف المنظم من قبل اليمين تجاه معلمينا والمحاضرين، وهذا يترك أثرًا على أوضاع المدارس. فعندما لا تتوفر الحرية للمعلمين، ولا الحماية التي تتيح لهم التحدث مع الطلاب عن هذه القضايا التي تشغلهم، فإن وزارة التربية والتعليم تكون في حالة أزمة. 

ونحن نعيش اليوم أزمة كبيرة بسبب حالة الخوف والملاحقة، وبسبب عدم وجود مشروع حقيقي من قبل وزارة التربية والتعليم لمناقشة هذه المواضيع بين المعلمين والطلاب. لذلك المبادرات في هذا الجانب فردية، حيث يحاول كل معلم إيجاد طريقة للتواصل مع الطالب، وهذه إحدى الإشكالات الأساسية التي يعاني منها جهاز التربية والتعليم العربي. وهناك تحديات إضافية، مثل العنف والجريمة المستشرية، حيث إن لها تأثيرًا كبيرًا على طلابنا، لأن قضية العنف والجريمة مرتبطة بالواقع الذي نعيشه، ولذلك أصبح التعليم وكأنه حقل ألغام".

"لا ينبغي أن نغض النظر عن الجوانب التي تشهد تراجعًا"

وفيما يتعلق بالميزانيات، أوضح د. شرف حسان "أنه من الصحيح أن هناك ميزانيات إضافية، ولكن حتى لو تم استغلال هذه الميزانيات بشكل كامل، فهي لا تكفي لسد الفجوات بشكل كامل. ومع ذلك، فقد حسّنت هذه الميزانيات نسبيًا وضع التعليم العربي، وهناك تقدم معين مقارنة بالسنوات السابقة، رغم كل المحدوديات. ولكن، وعلى الرغم من هذا التقدم، لا ينبغي أن نغض النظر عن الجوانب التي تشهد تراجعًا. مثلًا، كيف نقيم التحصيل الدراسي للطلاب؟ هل نعتمد على شهادة البجروت، التي لم تعد لها قيمة في سوق العمل، حيث يُضطر الطالب لإجراء امتحانات إضافية؟ لا تزال هناك فجوات جدية بين الطلاب العرب واليهود. وحتى في مقاييس التحصيل الأخرى، مثل الامتحانات الدولية – برأيي – أو تلك التي تجريها سلطة التقييم والقياس، هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى أن وضع التعليم العربي في ما يتعلق باللغات يعيش حالة صعبة جدًا. 

مثلًا، في اللغة العربية، يظهر امتحان البيزا فجوة تُقدّر بأربع سنوات تعليمية بين الطلاب العرب واليهود. ففي حين أن الوسط اليهودي كان ضمن الدول العشر الأولى، كان ترتيب العرب في المرتبة 69 من أصل 82 دولة، أي في ذيل القائمة. وهذا يدل على وجود مشكلة وفجوة كبيرة، ومن المهم أن نبحث عن أسباب هذه الفجوة، ونحن نعرف بعضًا منها. جزء منها يعود إلى السياسات اللغوية في إسرائيل، وجزء آخر قد يكون موضوعيًا مثل ازدواجية اللغة، ولكن أيضًا هناك غياب لخطة تعليمية تعالج تعليم اللغة العربية".

واضاف: " لا ينبغي التعامل مع اللغة كموضوع دراسي فقط، ولا يتم تعليمها بشكل موسّع، خصوصًا في المرحلة الثانوية. وبرأيي، لا توجد استراتيجية جدية لدى وزارة التربية والتعليم للتعامل مع اللغة العربية، كما أنها لا تتعامل معها كمشروع للهوية والانتماء".

"لا يجب أن تُكلّفهم المدرسة بمهام تزيد من الفجوات بينهم وبين غيرهم"

ومضى د. شرف حسان: "نحن مقبلون على عام دراسي جديد، وسيكون على الأولاد في المرحلتين الابتدائية والإعدادية التزامات دراسية منزلية. هناك افتراض قائم لدى الطلاب أو المعلمين – في الأساس – بأن جميع الطلاب متساوون، وهذا افتراض خاطئ. فهناك واقع طبقي في مجتمعنا، حيث بدأت تتشكل طبقة وسطى تمتلك إمكانيات أكثر من غيرها. ولهذا، فإن الأهالي الذين يرون أنفسهم جزءًا من العملية التعليمية يدعمون أبناءهم. لذلك، يجب على المعلمين الانتباه إلى هذا الأمر. لا بد من وجود آلية داخل المدرسة لدعم هؤلاء الطلاب الذين لا يملك أهاليهم تلك الإمكانيات. العبء الأساسي في العمل مع الطالب يقع داخل المدرسة، كما يجب أن يكون للطفل في المنزل مساحة يطوّر فيها ثقافته ونفسه. الطلاب القادمون من خلفية اقتصادية واجتماعية قوية يتمتعون بإمكانات أعلى من غيرهم، وخاصة في القضايا المتعلقة بالتعليم. ولا يجب أن تُكلّفهم المدرسة بمهام تزيد من الفجوات بينهم وبين غيرهم".

"طلابنا، حين لا يجدون مكانًا داخل المدرسة، ينزلقون نحو الجريمة المنظمة"

ومضى قائلاً: "قضية الفجوات داخل مجتمعنا تثير قلقي بشكل كبير، خصوصًا أن مجتمعنا يعاني من تفشي العنف. فطلابنا، حين لا يجدون مكانًا داخل المدرسة، ينزلقون نحو الجريمة المنظمة، ويسقطون في شباك منظمات الإجرام. هؤلاء هم الطلاب الذين تفشل مدارسنا في استيعابهم، فيعيشون على هامش جهاز التربية والتعليم منذ سن مبكرة، ويتراكم لديهم شعور بالخذلان والاغتراب. وبوجود عوامل إضافية، يصبح من السهل جدًا أن يجدوا في شبكات الإجرام من يحتضنهم ويوفر لهم أحيانًا المال، وهو ما يبحثون عنه في ظل ثقافة الماركات العالمية. وهنا أيضًا تلعب الطبقة الوسطى دورًا في تعميق ثقافة الاستهلاك، مما يزيد من حدة الفجوات. لذلك، فإن الاهتمام بالفئات المستضعفة يُعد ذروة الفعل الوطني. لا بد من أن نهتم بهذه المجموعات، فمجتمعنا بحاجة إلى بناء تضامن داخلي، وإيجاد طرق تمنع سقوط ضحايا جدد في عالم الجريمة، وإعادة دمج قسم من الشباب والشابات الموجودين داخل هذه الدوائر. هذه هي قمة المصلحة لمجتمعنا اليوم: كيف نبني التضامن داخل المجتمع".